جريدة الراي \ ا.د. ماهود احمد \ صدور كتاب



مقامات الحريري وتصوير البيئة العربية


الكتاب: منمنمات ومخطوطة مقامات الحريري العظمى في بطرسبورغ.

المؤلف: د. ماهود احمد .

الناشر: دروب للنشر والتوزيع .

صفحات الكتاب: 314 من القطع الكبير.
مراجعة- ماجد جبارة -

تكتسب هذه الدراسة الفنية لمخطوطة مقامات الحريري العظمى في بطرسبورغ في روسيا أهمية كونها أول دراسة في تاريخ فن التصوير العربي الإسلامي تنشر لأول مرة .ويؤكد الباحث أن مقامات الحريري هذه، تميزت من غيرها بأصالتها اللغوية، وتنوع أبحاثها البيانية ولا سيما في البديع، والسجع، والتعقيد اللغوي، وليونة وجمالية الأداء خاصة عباراتها القصيرة التي لا يتجاوز عدد كلماتها الخمس، فضلا عن ذلك فإن الأشعار الزاجرة في المقامات اتسمت بالزخم النثري اللغوي والشفافية والتأثير.ارتبطت المنمنمات في أوج تطورها وعظمتها الفنية بالأدب العربي وعلى وجه الخصوص المقامات ، وذلك لميزتها الزاخرة بالمتعة التصويرية والخيال، وبوصفها تقدم صورة ديناميكية صادقة ، مكتظة بالحوادث ومتنوعة للعصر العباسي الوسيط والأخير، حيث وجد فيها المزوق العربي المسلم مادة خصبة لمنمنماته ونقل إليها مظاهر الحياة في المجتمع العربي من عادات وتقاليد وأعراف ومشكلات وصرا عات.كما اكتسبت هذه المقامات أيضا شهرة شعبية واسعة في جميع البلدان وازداد الطلب عليها، حتى أن الحريري كمؤلف أقدم على استنساخها بخط يده أكثر من خمسمائة مرة وقيل أكثر من سبعمائة مرة. كما ترجمت عدة مرات إلى لغات عدة، حيث زوقت بالمنمنمات في أكثر من نسخة وفي أماكن وأزمنة مختلفة، وصلت إلينا منها اثنتا عشرة مخطوطة محفوظة في مكتبات متفرقة: ثلاث مخطوطات في مكتبة المتحف البريطاني، وثلاث أخرى في المكتبة الوطنية في باريس، وتحتفظ تركيا في سليمانية اسطنبول بمخطوطة واحدة، وتوجد أيضا مخطوطة أخرى في مكتبة فينا الشعبية في النمسا، وتحتفظ مكتبة الجامعة في أكسفورد بمخطوطة أخرى للمقامات ، ويحتفظ معهد الدراسات الشرقية لشعوب آسيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية في مدينة بطرسبورغ بمخطوطة . كما عثر مؤخرا على نسخة مصورة من المقامات في اليمن زوقت كما ذكر في فترة متأخرة بأسلوب المنمنمات العثمانية.ويعتقد المؤلف أن الشهرة الواسعة لمقامات الحريري لا تعود فقط إلى قيمة أسلوبها الأدبي واللغوي المتميز والذي يعتبر الآن مرجعا كلاسيكيا في الأدب العربي، وإنما في قدرتها على تصوير البيئة العربية وقدرتها على نقد ومخاطبة حياة العرب الصاخبة في وقت اتسم بانتشار الفوضى والخلافات وتضاؤل دور الخلافة العباسية في التأثير على مجريات الأمور في البلاد.بالإضافة إلى ذلك فإن سر الاهتمام بالمقامات الحريرية ليس فقط لمحتواها الموسوعي، ولا في القيمة الأدبية والتأليف ، وإنما في ارتباطها بفن التصوير في المخطوطات، فمجموعة المنمنمات في مقامات الحريري المصورة أرست بفعل قيمتها الفنية والجمالية أسس ملامح مدرسية فنية أصيلة عرفت بمدرسة بغداد العربية في التصوير الإسلامي ولا شك أن هذا النجاح اعتمد في بعض جوانبه على خصائص ونوعية المقامات نفسها والتي تتكون من خمسين مقامة أو أقصوصة تؤلف كل واحدة حدثا مستقلا نسبيا، لكنها ترتبط مع بعضها في وحدة متكاملة من خلال بطلها السروجي الذي يظهر مع الحارث في كل مقامة وبشخصيات متنوعة وهذا ما يمنح المقامات المتعة من خلال المقالب والحوار.وتنبع أهمية هذه المخطوطة من كونها أول دراسة شاملة لها ، حيث لم تطبع أية دراسة عنها حتى الآن، كذلك لم ينشر عنها إلا القليل المتناثر هنا وهناك في كتب التراث أو في دراسات تاريخ الفن الإسلامي مع طبع بعض تصاويرها من المنمنمات .