جريدة الدستور الاردنية \ مقامات الحريري \ بقلم الاستاذ غازي انعيم \ 28-8-2009


مقامـــــــات الحريـــــــري


اكتسبت مقامات الحريري شهرة شعبية واسعة في جميع البلدان وازداد الطلب عليها ، حتى أن الحريري كمؤلف أقدم على استنساخها بخط يده أكثر من خمسمائة مرة وقيل أكثر من سبعمائة مرة. ثم ترجمت عدة مرات إلى لغات عدة. وقد زوقت بالمنمنمات في أكثر من نسخة وفي أماكن وأزمنة مختلفة.. وصلت إلينا منها اثنتا عشرة مخطوطة محفوظة في مكتبات متفرقة: ثلاث مخطوطات في مكتبة المتحف البريطاني ، وثلاث أخرى في المكتبة الوطنية في باريس ، وواحدة في سليمانية اسطنبول ، ومخطوطة أخرى في مكتبة فيينا الشعبية في النمسا ، وتحتفظ مكتبة الجامعة في أكسفورد بمجموعة أخرى ، كما يحتفظ معهد الدراسات الشرقية لشعوب آسيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية في مدينة بطرسبرغ بمخطوطة ، وعثر أخيراً على نسخة مصورة من المقامات في اليمن زوقت في فترة متأخرة بأسلوب المنمنمات العثمانية. وقد ارتبطت المنمنمات في أوج تطورها وعظمتها الفنية بالأدب العربي وعلى وجه الخصوص المقامات ، وذلك لميزتها الزاخرة بالمتعة التصويرية والخيال ، وبوصفها تقدم صورة (ديناميكية) صادقة ، مكتظة بالحوادث ومتنوعة للعصر العباسي الوسيط والأخير. وقد وجد فيها المزوق العربي المسلم مادة خصبة لمنمنماته حيث نقل إليها مظاهر الحياة في المجتمع العربي من عادات وتقاليد وأعراف ومشكلات وصراعات.وتمثل المقامات أحد أهم الروافد الثقافية في عصرها ، وقد نشأت بوصفها فناً في أواخر العهد العباسي في القرن العاشر ، ودخلت الأدب العربي على يد بديع الزمان الهمداني ثم جاء الحريري ، فنسج على منواله فكتب خمسين مقامة اشتهرت باسمه. وعلى المنوال نفسه كتب آخرون عددا من المقامات مثل الزمخشري والرازي وغيرهم.غير أن مقامات الحريري ، تميزت عن غيرها بأصالتها اللغوية. وتنوع أبحاثها البيانية ولا سيما في البديع ، والسجع ، والتعقيد اللغوي ، وليونة وجمالية الأداء خاصة عباراتها القصيرة التي لا تتجاوز عدد كلماتها الخمس ، فضلاً عن ذلك فإن الأشعار الزاخرة في المقامات اتسمت بالزخم اللغوي والشفافية والتأثير.ويأتي كتاب د. ماهود أحمد "مقامات الحريري العظمى في بطرسبرغ" بوصفه وثيقة معرفية وفنية وحضارية أصيلة تكشف عن جوانب مشرقة من تراثنا الفني ، ويأتي أيضاً في إطار التعريف بتراثنا العربي والإسلامي في الفن ونفض غبار الزمن المتراكم عليه.
غازي انعيم يكتب عن هذا الكتاب اللافت.
28-08-2009