عباقرة بغداد


عباقرة بغداد
هؤلاء هم.... بكامل قيافتهم... هياجهم وأمنياتهم الفقيرة يروحون ويجيئون في شوارع مكتظة بالمفخخات والأحزمة الناسفة... عباقرة بغداد الذين فاقوا في قدرتهم على الحياة معقدي الستينيات... ومؤدلجي السبعينيات.. وتجريبيي الثمانينييات وحائري الستعينيات... عباقرة بغداد نشطاء في فهم الجمال حتى ولو كان يقف على بقايا سيارة مفخخة... هادئون بالرغم من سحب الدخان التي تظللهم... حالمون بالرغم من انسداد شوارعهم بالكونكريت... سكارى بالرغم من انتشار فتاوى القتل... عباقرة بغداد يغلقون صحيفة ليؤسسوا العشرات بدلاً عنها... مكاتبهم تضج بالشعر... هل رأيت شعباً يغطس في بحيرات الدم وينتج مثل هذا الشعر؟؟؟ اذهبوا إلى عبد الزهرة زكي وأسألوه عن قصائده العصماء في هذا الزمان الملتبس... اسالوه عن قصيدته خاصة التي رثى فيها المتنبي... عباقرة بغداد لا دخل لهم بكل ما يجري، وهم في الآن ذاته من يتحمل المسؤولية، بل من ينزف بدلاً عنا.. الارهابي القذر، صاحب اللحية القذرة، أوقف سيارته بالقرب من مبنى الجمعية، جمعية المصورين، أو الرساميين، أو المسرحيين.... لا فرق... ثم ضغط على الزناد.. الارهابي القذر لا يعرف أن في رأس شفيق المهدي ملايين الأفكار التي هي أشرف من رأسه العفن... الارهابي القذر الذي يريد أن يقتص من الأكاديمية .... لا يعرف ماهود أحمد ولا فاضل خليل ولا صلاح القصب... فهو جاهل أكبر من أبي جهل... الارهابي القذر الذي يراقب مبنى الجريدة لا يعرف أن علي حسين يستطيع أن يؤسس جريدة بلمح البصر.. يكفي أن يلتقي بعلاء المفرجي وفلاح الخطاط لتصدر في اليوم التالي جريدته الجديدة.. الارهابي القذر المدعوم من دول لا حصر لها يظن أن الحياة من الممكن أن تتوقف في ساحة التحرير... غشيم هو اذ يعتقد بذلك... فجواد سليم وحماماته يحمون المكان من غدره.. غشيم هو لانه لا يعرف فائق حسن.. عباقرة بغداد الذين ما انقطعوا عن صياغة مسرحيات مختلفة، وأمامكم كاظم النصار ورائد محسن... وحدهم من يحق له أن يمضي بضعة ساعات على شواطئ البحار من اجل الاستجمام لا من أجل مراقبة الفتيات اللاتي يلعبن كرة الماء الشاطئية... ليس هناك من عاقل سوى عباقرة بغداد... الذين يذهبون إلى الجامعات في صباح كل يوم... سهام جبار أكبر الأمثلة... فيما عزيز عبد الصاحب يسهر على قراءة النفري... ما هذا؟؟؟ هل هؤلاء سوى عباقرة عصرالخراب؟؟؟ ينقب قاسم محمد عباس في أوراقه ليل نهار بحثاً عن سر الأسرار.. فيما عبد الخالق المختار يحضر لمسلسل تلفزيوني جديد... اما مقدد عبد الرضا فعادته الأثيرة أن يحمل كاميرته في مواطن اللهب.. اي لهب؟ وبغداد كلها مشتعلة؟؟؟عباقرة بغداد يبحثون عن سينما في الحر المفجع.. أغلقها الظلاميون... ليس مهماً... سيفتتحون العشرات غيرها... ماذا عن المسارح؟ صالات الرسم والرقص والموسيقى؟؟؟ عباقرة بغداد لهم قدرة عجيبة على ابتكار الأماكن المختلفة وهذا قاسم سبتي خير مثال.. لماذا لا نذهب إلى النهر.. سأل كاظم غيلان جماعته من نزلاء الفنادق الرخيصة.. النهر هو الآخر يغص بالجثث... وعلى ضفتيه شيد المتجبر قصوره التي صارت مباول... المطربون فروا.. وظل حسن بريسم يغني على خطى رياض أحمد المذبوح.. لا بد من الغناء.. إنهم عباقرة.. والعباقرة يحبون الغناء حتى ولو كان على شكل نحيب دام.. آه كم أحسدكم على عبقريتكم الفذة.. تلك التي تجعل منكم كائنات مستحيلة.. ما نفع الكائن إن لم يكن مستحيلاً؟ حدثني علي حسن الفواز عن الكتابة.. كيف أنه يدمنها على وقع القذائف.. عباقرة لا يأبهون بعقوق الأصدقاء في المنافي السعيدة.. الذين يبخلون بكلمة.. مجرد كلمة.. عباقرة يؤسسون لثقافة حب.. وتسامح.. وسط أكوام من الجثث .. أكوام من الكراهية.. عباقرة بغداد تكفيهم سجارة وكأس عرق لينتجوا أحلى الكلام.. تكفيهم خشبة مسرح حر ليؤثثوا فضاء من الانسانية في بحر لا يعبأ إلا بالموت.. وجيه عباس؟؟؟ لا يعرف غير الضحك الدامي... سلمان داود محمد؟ أحرق قميصه احتجاجاً... خالد جمعة؟ يرى في فضاء الصدرية الدامي مكاناً للعيش..كريم شغيدل؟ لا يبدل القصيدة بالهراء... أحمد الشيخ علي؟ ينوح على ضحايا كربلاء... محمد غازي الأخرس؟ يستجلي الحياة من باعة الأرصفة... جلال حسن؟ يبكي على بقايا شارع المتنبي...أحمد عبد الحسين؟ أبدل الثلوج الكندية باللهيب البغدادي... آه كم هم عباقرة ... عباقرة بغداد الذين يؤثثون لنا مستقبلاً مكتنزاً بالألم.. بالصبر والحنين.. يمرون في الشوارع ذاتها كل يوم.. في الرشيد والسعدون.. في المتنبي وسوق هرج.. في الكرادة والوزيرية.. يطلقون عصافيرهم الملونة دون أن يأبهوا لتهديدات اللحية القذرة.. لحية الحمقى والحشاشين القادمين من وراء الحدود لذبح البلاد.. لذبح الرشيقة بغداد.. عباقرة بغداد وحدهم من يحق لهم الغناء.. وعلينا كلنا أن نصبح كورسهم العظيم.